آية قرآنية عن الحياء

حياء المرأة

لعلّ الآية القرآنية الأبرز التي تتحدث عن حياء المرأة، هي الآية التي جاءت في وصف إحدى بنات الرجل الصالح؛ التي سقى لهما موسى -عليه السلام-، وذلك في قوله -تعالى-: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). [القصص: 25]


حيث ذهب جمعٌ من المفسرين أنّ هذه الفتاة كانت حيّية بالتزامها الستر، وتغطيتها لوجهها -بطرف ثوبها-، وبطريقة مشيتها، كما ذهب بعضهم إلى أنّ حياءها كان حتى في طريقة كلامها، وطلبها من موسى -عليه السلام- الحضور لوالدها؛ حيث أجازوا الوقف على كلمة استحياء، أو على قوله -تعالى-: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي)، واستكمال القراءة بقوله -تعالى-: (عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ).[١]


استحياء النبي صلى الله عليه وسلم

أرشد الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين إلى آداب دخول بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وزيارته؛ وعدم إطالة المكث عنده؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ...). [الأحزاب: 53]


وقد نزلت هذه الآية في قصة زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من زينب بنت جحش -رضي الله عنها-؛ حيث دعا النبي جمعاً من أصحابه إلى الطعام، فأكل القوم وأطالوا الجلوس؛ فتهيأ النبي -صلى الله عليه وسلم- للقيام لكنّهم لم يقوموا، فلمّا قام -صلى الله عليه وسلم- قام معه جمعٌ من القوم، وبقي من بقي، إذ كانوا مستأنسين بالحديث، فتأذى النبي -صلى الله عليه وسلم- من طول مكثهم عنده، لكنّه استحيا أن يطلب منهم القيام، وقد كان أشدّ الناس حياءً -صلى الله عليه وسلم-، فنزلت عليه هذه الآية تبيّن وتوضح للصحابة ما كان من صنيعهم.[٢]


الاستحياء الواقع من الله تعالى

ذهب المفسرون إلى أنّ الاستحياء الذي يكون من الله -سبحانه- يأتي بمعنى الترك؛ فإذا وصف نفسه -سبحانه- بأنّه يستحيي؛ فمعنى ذلك أنّه لا يقع منه أمرٌ محددٌ رحمةً بعباده -سبحانه-؛ وهذا مصداق قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن اللهَ -عزَّ وجلَّ- حليمٌ حييٌّ، سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الحياءَ، والسِتْرَ، فإذا اغتسَلَ أحدُكم فلْيَسْتَتِرْ).[٣][٤]


وإن وصف نفسه -سبحانه- في موضع آخر بأنّه لا يستحيي من إيقاع شيء أو ضرب مثل معين؛ فيُقصد بذلك أنّه لا يُبالي به -جلّ وعلا-؛[٤]ومن ذلك قوله -جلّ وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلًا...)، [البقرة: 26] وقوله -تعالى-: (... وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ...). [الأحزاب: 53]


آيات أخرى ورد فيها لفظ الاستحياء

جاءت آيات عديدة في القرآن الكريم تتحدث عن استحياء آل فرعون لنساء بني إسرائيل؛ والمقصود بذلك أنّ آل فرعون كانوا يقتلون الأبناء الذكور، ويُبقون الإناث والبنات على قيد الحياة، فلا يتعرضون لهنّ بالقتل، وفي بيان المعنى المراد من استحيائهم يقول أهل التّفسير: إن استحياءهم للنساء هو من جملة تعذيبهم لبي إسرائيل؛ لأنهم يستحيونهم ليستعملوهم في الأعمال الشاقة، وليفعلوا بهم ما لا يليق من العار، وبقاء البنت تحت يد عدوٍ لا يؤتمن عليها من سوء العذاب بلا شك[٥] ومن الآيات التي ذُكر فيها ذلك ما يأتي:


  • (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ). [البقرة: 49]
  • (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ). [الأعراف: 127]
  • (وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ). [الأعراف: 141]
  • (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ). [إبراهيم: 6]

المراجع

  1. أبو حفص النسفي، التيسير في التفسير، صفحة 426، جزء 11. بتصرّف.
  2. محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، صفحة 108-109، جزء 2. بتصرّف.
  3. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن يعلى بن أمية، الصفحة أو الرقم:404، صحيح.
  4. ^ أ ب القشيري، عبد الكريم، لطائف الإشارات تفسير القشيري، صفحة 70، جزء 1. بتصرّف.
  5. محمد الأمين الشنقيطي، العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير، صفحة 71-72، جزء 1. بتصرّف.