آيات الربا في القرآن الكريم
تدرجت آيات القرآن الكريم في تحريم الربا على مراحل، وآتياً بيانها:
ذم الربا ومدح الزكاة
أشار الله -تعالى- في سورة الروم إلى بشاعة الربا وذمّها وذلك قبل تحريمها صراحة، وذكر أن الزكاة هي خير بديل في تنمية المال وحفظه، حيث بيّن الله -سبحانه وتعالى- للناس أن ما يدفعونه من المال لأصحاب الأموال وإرسال الهدايا للموسرين بغية تنمية أموالهم وردّ أموالهم وهداياهم مضاعفة وزيادة عما دفعوه هو ليس الطريق الصحيح لنماء المال، وزيادة الأجر عند الله، ووجّههم أن الطريق الوحيد لنمائه ومضاعفته هي الزكاة والإنفاق في سبيل الله بلا مقابل من الناس؛ فالله -تعالى- هو الذي يعطي ويبسط الرزق للمزكين والمنفقين إضافة إلى نماء أموالهم، وينقص أموال المرابين ويمنعهم من المال، فقال -تعالى-: (وَمَا آتَيتُم مِن رِبًا لِيَربُوَ في أَموَالِ النَّاسِ فَلا يَربُو عِندَ اللهِ وَمَا آتَيتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ)، [سورة الروم، آية: 39] وهذا من باب لفت الانتباه إلى بشاعة الربا.
بيان أن الربا محرّم في شريعة اليهود
ثم ذكر الله -سبحانه وتعالى- في سورة النساء أن الربا كان محرماً في شريعة اليهود، حيث إن الله -تعالى- حذرهم ونهاهم عنه؛ إلا أنهم كانوا يتعاملون به واحتالوا بأخذه وأكله؛ فكان من صفاتهم أكلهم الربا، وكان هذا سبباً باستحقاقهم اللعن والطرد، وحرمانهم من الطيبات والحلال، فقال -تعالى-: (فَبِظُلمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمنَا عَلَيهِم طَيِّبَاتٍ أُحِلَّت لَهُم وَبِصَدِّهِم عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا* وَأَخذِهِمُ الرِّبَا وَقَد نُهُوا عَنهُ وَأَكلِهِم أَموَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَأَعتَدنَا لِلكَافِرِينَ مِنهُم عَذَابًا أَلِيمًا)، [سورة النساء، آية: 160-161] وفي هذا بيان أن الربا محرم في جميع الشرائع السماوية، وتمهيد وإيماء بإمكانية تحريمه على المسلمين، كما كان محرماً على بني إسرائيل، وإشارة لهم ألا يفعلوا كما فعلوا إن حرّم عليهم الربا، فيلاقوا مثل ما لاقوا من العذاب والحرمان.
النهي عنه والأمر بتركه
ثم جاءت الآية في سورة آل عمران تأمر المؤمنين أن يجتنوا أكل الربا، وألا يأخذوا الزيادة المضاعفة على رؤوس أموالهم، ودعاهم إلى التقوى رجاء الفلاح، وأن يمتثلوا أوامره ويبتعدوا عن نواهيه، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأكُلُوا الرِّبَا أَضعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ* وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ). [سورة آل عمران، آية: 130-132]
التحريم القطعي للربا
كان آخر ما نزل في تحريم الربا آيات من سورة البقرة، وورد فيها التصريح والقطع في تحريمها، وصوّرت حال المرابين وآكلين الربا في الآخرة بصورة شنيعة مرعبة؛ حيث إنهم يقومون من قبورهم كالمصروعين الذي أصابهم مسٌّ من الشيطان؛ متخبطين مضطربين، ثم بيّن أنه أحلّ البيع؛ فهو البديل النافع للجميع، وأنه -سبحانه- يهلك المال الربوي ويذهب عنه البركة، ويضاعف الصدقات وينمّيها، ثم أمر عباده بالتقوى والتوبة والرجوع عن أكل الربا، فإن أصروا وبقوا فهذا إيذان وإعلام بحرب من الله ورسوله.
قال -تعالى- في سورة البقرة: (الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَالُوا إِنَّمَا البَيعُ مِثلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمرُهُ إِلى اللهِ وَمَن عَادَ فَأُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ* يمحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُربي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلاَ خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ* فَإِن لم تَفعَلُوا فَأذَنُوا بِحَربٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُم فَلَكُم رُؤُوسُ أَموَالِكُم لاَ تَظلِمُونَ وَلاَ تُظلَمُونَ). [سورة البقرة، آية: 275-279]
مواضيع أخرى: