آخر أربع آيات من سورة المؤمنون
تقع سورة المؤمنون في مئة وثماني عشرة آية،[١] جاء في آخر أربع آيات منها قوله -تعالى-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ* وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ* وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).[٢]
سبب نزول آخر أربع آيات من سورة المؤمنون
نزلت سورة المؤمنون بعد سورة الأنبياء، ونزلت سورة الأنبياء قبيل سورة الإسراء، وذلك قبل الهجرة، فتكون بذلك سورة المؤمنون سورة مكيّة، وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم لحديثها وبيانها لصفات المؤمنين المفلحين، والمستحقين لنصر الله -تعالى- وتأييده، كما استحقّ الرسل الكرام النصر والتمكين، فاقتضى ذلك أن تحتوي السورة على أخبار بعض الأنبياء والمرسلين، وعلى أن يكون ختامها مناسباً للغرض الذي جاءت من أجل بيانه.[٣]
وينبغي الإشارة إلى أنّ آخر آيات من سورة المؤمنون لم يرد في نزولها سبباً محدداً؛ إنّما ورد أسباباً لنزول آيات أخرى من هذه السورة، وسيأتي ذكر جانب منها في هذا المقال.
شرح آخر أربع آيات من سورة المؤمنون
جاء في المقطع الأخير من السورة الكريمة الإنذار بالموت، والبعث والرجوع بعد ذلك للحساب، كما أنذر المولى -سبحانه- الكافرين من العذاب في يوم القيامة؛[٤] ويمكن ذكر تفسير الآيات الأخيرة من سورة المؤمنون بما يأتي:[٥]
- قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)
يشدد الله تعالى في توبيخ عباده على غفلتهم، فيوجّه لهم الخطاب في هذه الآية ويقول لهم: أظننتم أنّكم مخلوقون لعباً ولهواً دون قصد أو غاية؟ بل أنتم مخلوقون لطاعة الله -تعالى-، وللاستقامة على أمره، وأنّ المرجع سيكون إليه -سبحانه- بعد العمل في هذه الدنيا.
- قوله تعالى: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)
جاءت هذه الآية الكريمة تبيّن وتردّ على أوهام بعض الناس، من الخلق عبثاً أو لعباً؛ فتُنزّه الله -سبحانه- وتقدّسه عن كل ذلك؛ لأنّ كل ما في هذا الكون مخلوق وفق حكمته وتدبيره، ووفق مقصد في غاية السمو والرفعة.
- قوله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)
تردّ الآية الكريمة على كل من افترى على الله كذباً؛ فنسب له ولداً أو شريكاً أو صاحبة، فتتوعّد كل من أشرك مع الله -تعالى- إلهاً آخر غير مستحق للعبادة، وتتوعد كذلك كل من لا دليل لديه على صحّة معتقده في هذا الإشراك، بالجزاء والحساب المستحقّ، والخسران وعدم الفلاح، وهذا توبيخ وتخويف وتهديد صريح شديد مناسب لافتتاح السورة؛ التي جاءت تبشّر المؤمنين بالفوز والفلاح.
- قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)
يرشد الله -سبحانه- نبيّه الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأمته من بعده بطلب الغفران والرحمة من الله -تعالى-، والمداومة على هذا الدعاء لتحصيل النجاة من العذاب، ومحو الذنوب والآثام.
أسباب نزول بعض آيات أخرى في سورة المؤمنون
من أسباب نزول بعض آيات سورة المؤمنون ما يأتي:
- أول عشرة آيات من السورة؛ ورد فيها ما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، حيث قال: (كان إذا نزَلَ على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الوحيُ، يُسمَعُ عِندَ وجهِه دَوِيٌّ كدَوِيِّ النحلِ، فمكَثْنا ساعةً، فاستقبَلَ القِبلةَ ورفَعَ يدَيْه، فقال: اللهمَّ زِدْنا ولا تنقُصْنا، وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تَحرِمْنا، وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا، وارضَ عنَّا وأرضِنا، ثمَّ قال: لقد أُنزِلتْ عليَّ عشرُ آياتٍ، مَن أقامَهنَّ دخَلَ الجنَّةَ، ثمَّ قرَأَ علينا: "قَدْ أفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ" حتى ختَمَ العَشرَ آياتٍ).[٦][٧]
- أول آية من السورة؛ جاء فيها ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لما خلق اللهُ جنةَ عدنٍ خلق فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلبِ بشرٍ، ثم قال لها: تكلَّمِي، فقالت: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ...).[٨][١]
- الآية الثانية من السورة؛ جاء فيها ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان إذا صلَّى رَفَعَ بصرَهُ إلى السَّماءِ، فنَزَلَتْ: "الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ"، فطأْطأَ رأسَهُ).[٩][١٠]
- الآية السادسة والسبعون من السورة؛ صحّ فيها ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (جاء أبو سفيانَ بنُ حربٍ إلى رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فقال: يا محمدُ! أنشدُكَ اللهَ والرحِمَ، فقد أكلْنا العِلْهِزَ -يعني: الوبرَ- والدمَ، فأنزلَ اللهُ: "وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ").[١١][١٢]
المراجع
- ^ أ ب صديق حسن خان، فتح البيان في مقاصد القرآن، صفحة 93، جزء 9.
- ↑ سورة المؤمنون، آية:15-18
- ↑ جعفر شرف الدين، الموسوعة القرآنية خصائص السور، صفحة 45، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوى، الأساس في التفسير، صفحة 3668، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 113-114، جزء 18. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:223، ضعفه النسائي والعقيلي والألباني وقال الحاكم صحيح الإسناد.
- ↑ الثعلبي، تفسير الثعلبي الكشف والبيان عن تفسير القرآن، صفحة 458، جزء 18.
- ↑ رواه الطبراني، في المعجم الأوسط، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:147، قال الهيثمي أحد إسنادي الطبراني في الأوسط جيد.
- ↑ رواه الحاكم، في المسترك على الصحيحين، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3529، قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين لولا خلاف فيه على محمد فقد قيل عنه مرسلا وقال الألباني صحيح على شرط مسلم.
- ↑ محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، صفحة 305-306، جزء 5.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:967، قال الشوكاني أصل الحديث في الصحيحين وصححه الطبري والألباني.
- ↑ خالد المزيني، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة، صفحة 709، جزء 2.